الثقة بالنفس أم الثقة بالله ؟

 منذ قليل كنت أقرأ كتابا عن الثقة بالنفس .. و كيف أن الإنسان يولد  و لديه  قدر من النزوع إلى الحصول على استحسان الآخرين ، و كيف أن هذا الشعور  يتزايد مع  مرور العمر  فيتحول الإنسان إلى أسير لرأي الناس فيه .. 

أخذتني هذه الكلمات و هذا الموضوع  إلى فكرة  ربما تبدو  بعيدة عن الموضوع لكني أراها قريبة جدا .. ألا  و هي أن الأنبياء و أصحاب الرسالات جميعهم تعرضوا للأذى و الاستهجان و السخرية ممن حولهم و من الفئة المستهدفة بالدعوة إلى الله .. بل و أحيانا يسخرون من صاحب الدعوة  لأمر فطري طبيعي شذوا هم عنه مثل قوم لوط على سبيل المثال .. فيصبح الخطأ هو القاعدة الصحيحة  و يصبح الالتزام  بالسنن الكونية و الفطرة السليمة هو الخطأ .. حتى يحار اللبيب و تهتز النفس و تهتز قواعد  القيم الإنسانية السليمة  لدى البشر  .. و كأن الله تعالى أراد أن يختبر صدق العزيمة  و الإيمان لدى أصحاب الرسالات .. ذلك أن حب النفس لكلمات الاستحسان و الإطراء و التقدير  أمر عظيم يستحوذ على النفس البشرية و يجعلها دوما ساعية لهذا الاستحسان و إعلاء الهوى حتى لو على حساب القيم  و المبادئ .. و العكس صحيح .. فإن كلمات الاستهزاء و السخرية و النيل من أصحاب الرأي قد  يردعهم و يجعلهم خائفين مترددين من قول كلمة الحق  أو قول رأي قد يخسره  تقبل الناس له .. لذلك كان القانون الإلهي لكل أصحاب الرسالات ألا يلاقوا  قدرا كبيرا من الإيمان بهم .. بل يلاقوا العذاب و الضغط المستمر من الفريق الذي يوجه له رسالته .. حينها قد يهتز المؤمن  و يقل حماسه بقضيته و برسالته .. لكن ثقته بالله و صدقه معه و إيمانه بالرسالة التي خصه الله تعالى بها  ليبلغها لقومه  تجعله يثبت و يصبر و يحتسب أجر هذا العمل الشاق لله وحده  .. فإننا نعبده جل جلاله وحده لا شريك له .. و ما البشر إلا عبادا لله  .. ليس لهم ضرا و لا نفعا  .. و أن الإنسان الضعيف فقط هو من يتأثر  برأي الناس و يصبح أسيرا لرغباتهم و كلمات استحسانهم و إطرائهم  .. و الإنسان القوي هو الذي يعبد الله وحده الغني عن كافة مخلوقاته  و هو الذي لا يعنيه  لومة لائم أو  كلمة تقدير  من عباد مثله لله الواحد الأحد  .. 

لذلك أجد أن تعبير الثقة بالنفس قد يبدو  مفخخا  .. لأن الثقة بالنفس قد لا تركن على قاعدة صلبة قوية مثل حب الناس أو إعجاب الجماهير العريضة التي قد ينخدع أي إنسان بقبولها له .. بينما لا تعبر هذه الأعداد الغفيرة  من المعجبين بكون ما تفعله صواب أم خطأ .. لذلك حذرنا الله تعالى في كتابه الحكيم  من هذا الأمر حين أمرنا بالاستعاذة " برب الناس " و هي تذكرة بأن الناس ليست الحكم على أفعالنا ..  بل إنهم ملك خالقهم  و يعرف قدر ضعفهم و ما توسوس به الشياطين لهم  و ما تخترقه قلوبهم من وساوس و همزات شيطانية خبيثة  .. و بالتالي على الإنسان أن يعتمد فقط على رب هؤلاء الناس و ليس الناس نفسهم الذين هم عباد لله  و بشر مثله لن ينفعوه بشيئ 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

إنهم أناس يتطهرون

حينما يعطل الخوف من الناس مسيرة حياتنا